حنّاء
هكذا عرف أكفهن..محنّاة بلون نُحاسي خضب جلدهن..
كل نساء قريته ذوات أكف ملونة..كلهن سمراوات بلون شاطئ نيل أسوان الجميله..كلهن ذو صوت واحد ولكنة واحدة..كلهن يعشقن الأقراط الذهبية..كلهن يتشحن أثواباً ملونة من قمة رأسهن حتى كعوبهن المخضبة ..أيضاً.
رآهن مخضبات نُحاسيات سمراوات يبرقن بأقراط ذهبية كبيرة متدلية وتغطيهن أثواب ملونة...عرف فاقع الألوان حتى زهدها.
عرف "اللون" كثيراً كثيراً حتى صار لا ير ألواناً..كانت الألوان في عينيه هامدة كلون حائط زنزانة نظر إليه المسجون مدى الحياة.
وكان عندما يرى بعض السائحين اللذين يطوفون بحارات قريته أحياناً نادرة -لبُعد بيته عن مناطق الجذب السياحية في أسوان- كان يفقد الإحساس بالزمن ولا يفقه إلا ما يراه... كان يرى في باهت بياض بشرتهم وباهت شعرهم الأشقر وقلة ثنايا أجسادهن - كان يرى بهم ألوان الطيف كلها..
فكان يتنعم بالنظر إليهم وكأنه في حديقة غناء في عز زهو الربيع..لم تكن شهوة يخص بها النساء..كان إستملاء بَصر بالمختلف..
حتى أنّ في يوم ، مر عليه سائح عجوز وزوجته ليتفقدا النقش البارز الذي حفره ولونه جده الكبير في دكان البَهّار الذي تمتلكه عائلته..وبعد أن صورا الحائط..إبتسما كثيراً وشكراه ومد الرجل يده ليصافحه..فنظر مطولاً إلى لون كفه الأبيض الباهت الخالي من الخضاب..ثم ناوله كفه مصافحاً بسعادة كبيرة..
كان فتىً في مقتبل العمر وكان يتمنى أن يسمح له جده بالدراسة في إحدى المدن البعيدة..وكان جده يحبه كثيراً ويرى به أكبر أبناءه الذى مات وترك الفتى يتيماً..فكان يرفض دائماً حتى نجح الفتى بتفوق بشهادته الثانوية ثم أضرب عن الطعام حتى يسمح له جده بالسفر..وسمح له جده على مضض.
وهناك..في أجواء البنادر الملوثة بالعوادم..رأى أكفاً كثيرة لا تعرف الخضاب إلا عندما تتزوج إحداهن..رأى كعوباً بيضاء بلا حُمرة أو سوداء جافة تدل على شقاء مُصاحبة أتربة شوارع المدينة المُرة القاسية..فتنفس مستمتعاً بألوان زاهية تملأ ناظريه..
ورآها ذات صباح تجلس على أحد أرصفة حديقة الكُلية..وأحب قدماها الصغيرتان اللتان ظهرتا من حذاء لا يربط جنباته إلا خيوطاً جلدية ملونة تقيد قدماها البيضاوتان اللطيفتان إلى النعلين..
كانت بيضاء..ذو شعر بلون جذوع الأشجار يلمع تحت وهج شمس الصيف الساخنة..وكانت ما إن رأته تبتسم للُطف تقاسيمه وإبتسامته الواسعة ذات الأسنان البيضاء كشراع الشتاء..
لكنه مع الوقت عرف أنها صعبة المنال بقدر صعوبة موافقة جده على أن يتقدم لإحدى بنات المدينة البعيدة..
ومرض الجد..وعاد الفتى إلى قريته..وأصر الجد بقوة -رغم وهنه الشديد- أن يزوجه..وتم الإتفاق مع عم له -لا يرتاح إليه كثيراً- على أن يزوجه إبنته الحسناء السمينة..
وافق العم وأطرق الفتى غير معارض..حتى إن كان يوم الحناء ، ذهب إلى بيت عمه القاطن بأول حارتهم ونادى على أخو العروس..نظر في عينيه وهو يحبس أنفاسه إهتماماً ..وهو يتصبب عرقاً ..وهو يُقلِص عضلات وجهه كأن ما يريد أن يتفوه به يصعب نطقه من خطورة معناه له..فأوجس ابن العم خيفة وأنصت إليه في ذعر،
حتى قال: "إستمع إلى جيداً فلن أقبل في الأمر نقاش..قل لها: لا حنّاء!"
تعليقات
استمتعت بالألوان !
لو قلت زغللت عينى هابقى مش كذابة :)
:)
في منتهى الروعة
وطبعا نتي استعرضتي عضلاتك في الموهبة دي في حدوتة الكوافير والموقف بيتعاد من كل وجهات النظر والواحد يشهدلك بالعشره انك استاذه بجد
القصه بقى حلوه قوي علشان حكت قصه طويله في كلمات قليله
كلنا عايشين في تكرار وتقليد وتشابه والواحد دايما بيحب الشيء المختلف عن اللي اتعود عليه طول عمره علشان كده الولد تلاقيه دايما بيتجوز واحده مختلفه عنه في الطبع تماما وفي العادات وتلاقي ان هي دي اللي بيميلها ويفضل يتخانق بعد كده معاها بسبب اختلاف تفكيرهم بس هو مبهور بالأختلاف
اصراره على انه يحس انه رفض الأجبار ورفض المألوف برغم انه مقدرش يرفض كلام جده ومقدرش حتى يحاول ينال البنت اللي عجبته مقدرش يهاجم ويطلب اللي حلم يوصله فبيعوض ده برفض الحنه
القصه بتحسسني اني شايف كل الناس اللي مرغمه على قبول واقعها ومبتحاولش تغيره ماشيين مجبرين زيه وبينفذا المطلوب منهم وخلاص وبيراضوا غرورهم من وقت للتاني برفضهم لموقف عبيط او تلاقيهم متمسكين بحاجه عبيطه وسخيفه وتتعجب من تمسكهم لكن الحقيقه انهم متمسكين بأخر قشه في عرش كبريائهم
بجد هايله ربنا يوفقك دايما
اخوكي ايهاب
كب ايه..لو حد قرا كل ردودي على كل تعليقاتك حيثول باخدهم كوبي بيست :)))
عشان للمرة السبعة وعشرين بعد المئة..انت فاهم جداً
فاهم جدا جدا
كلنا كده..حاجات عبيطة تُسَكِن اوجاع الخنوع!
والمعبرة عن بيئتها والتي جذبتني لتلك الأجواء الجنوبية :)
شكراً جزيلاً لك